تحايل على رخصة السفر الاستثنائية… اتجار في الوثائق التركية بالمغرب

1٬997

يرصد محسن العروسي مسير مجموعة مغاربة في تركيا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تضم 33 ألفا و 263 عضوا، تزايد الطلب على وثائق تركية من قبل المغاربة الراغبين في السفر إلى إسطنبول في ظل الحظر الساري بسبب جائحة كورونا، إذ يطلبون دعوات وعقود عمل وملفات تسجيل في الجامعات التركية، بالإضافة إلى المواعيد الطبية، ما أدى إلى انتشار إعلانات من قبل مغاربة يقيمون في تركيا يدعون قدرتهم على توفير تلك الوثائق التي يتم التلاعب في إجراءات استصدارها.

نشطت الظاهرة عقب قرار الحكومة المغربية في 10 يوليو/تموز  الماضي 2020، باستئناف السفر في عملية استثنائية تُسير فيها حركة الطيران بعد توقفها منذ إعلان حالة الطوارئ السائدة في البلاد في 20 مارس/آذار 2020، والممتدة لغاية 10 ديسمبر/ كانون الأول، حتى يتمكن العالقون في الخارج من العودة، وكذلك لتمكين الطلبة الجدد  المقبولين بجامعات أجنبية من متابعة دراستهم، وكذلك رجال الأعمال بالإضافة إلى المضطرين للسفر من أجل العلاج، والأجانب القاطنين بالمغرب، بشرط الحصول على رخص استثنائية من العمالات المغربية (مصالح إدارية تتبع وزارة الداخلية).

ويشترط للحصول على رخص السفر الاستثنائية، تقديم طلب خطي إلى العمالة، مرفقا بصورة شمسية وموعد طبي مستعجل في الخارج لإجراء عملية جراحية أو فحص طبي دقيق، أو ملف متابعة طبية في الخارج، معززا برأي طبيب من المغرب، أما الطلاب الجدد فيطلب منهم تقديم وثائق التسجيل في الجامعات والمعاهد، ويجب على المسافرين للعمل تقديم دعوة من شركة في الخارج، أو أمر القيام بمهمة من شركة في المغرب، بينما يشترط من أجل الحصول على رخصة سفر لغاية التجمع العائلي تقديم عقد زواج، ودفتر الحالة المدنية بالنسبة للأطفال. وفقا للتعليمات التي نشرتها العمالات، ما فتح بابا جديدا للمتاجرة بالوثائق من قبل مغاربة مقيمين في تركيا، أو مكاتب عمل تركية تسعى للتربح من وراء احتياجات الراغبين في السفر من المغرب إلى تركيا. تحقيق

دعوات وعقود عمل صورية

يعمل الثلاثيني المغربي المقيم في تركيا، كمال (جرى حجب الاسم الثاني لأسباب قانونية)، في تجارة الملابس والكماليات، لكنه غير نشاطه خلال جائحة كورونا وبات يعمل في تأمين عقود عمل للمغاربة الراغبين في السفر إلى تركيا، مقابل مبالغ تتراوح بين  1100 و1200 درهم، أي 132 دولارا، كما كشف خلال حديثه مع معدة التحقيق عبر واتساب بعدما ادعت بحثها عن عقد للسفر إلى إسطنبول.

عقود العمل التي يبيعها كمال عقود صورية، وفق قوله، ويمكن تقديمها كحجة فقط للحصول على الرخصة الاستثنائية. الصورة

تحقيق المغرب 3

لكن الظاهرة انتشرت على نطاق أوسع وبعدما كانت عبارة عن حالات فردية، استغلت مكاتب عمل تركية حاجة المغاربة لوثائق تثبت ارتباطهم بعمل في الخارج، فأصبحت تروج لخدماتها عبر منشورات في مجموعات مغلقة وفق العروسي الذي لاحظ تفاعلا بين مواطنين مغاربة وتلك المكاتب التي تبيعهم  دعوات عمل صورية (تتضمن استدعاء الشخص من أجل المقابلة على وظيفة بشركة ما مع تفاصيل العمل) على أنها  عقود عمل، مقابل 1800 درهم، أي ما يعادل 200 دولار .

وعندما نشرت معدة التحقيق منشورا على مجموعة مغاربة في تركيا، تطلب من خلاله المساعدة للحصول على دعوة عمل، بادر 18 شخصا يقيمون في تركيا إلى تقديم خدماتهم لإرسال الدعوات مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 50 و200 دولار.

ويعمد سماسرة أيضا إلى التلاعب بعقود عمل أصلية خاصة بشركات تركية، كما تبين في تحذير نشره أحد أعضاء المجموعة في 2 نوفمبر /تشرين الثاني الجاري، موضحا أن سمسارا  تلاعب بمحتوى عقد أصلي يخص إحدى الشركات في تركيا وباعه مقابل 1300 درهم (145 دولارا).

ما يجري يدخل قانونا ضمن نطاق جريمة النصب متى كان الضحية لا يعلم أن الوثائق التي حصل عليها مزورة، وتم خداعه بإبلاغه أنها صحيحة، أما إذا كان من تسلم تلك الشهادة أو الوثيقة، واستعملها على بينة من أنها مزورة، فيكون تحت طائلة المحاسبة ويعاقب على ذلك حسب الحالة. وفقا للمحامي في هيئة الدار البيضاء، محمد السالك.

وعرف المشرع المغربي جريمة النصب في الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي، ظهير شريف رقم 1.59.413 الصادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1962 بأنه: “يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم: من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع في غيره، ويدفعه بدلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية أو لشخص آخر”. الأرشيف

رفض الطلبات

وترفض العمالات كثيراً من طلبات الحصول على رخص السفر الاستثنائية، بسبب تقديم دعوات للعمل في تركيا وليس عقودا، ويعزو العروسي ذلك من خلال متابعته إلى تصديق من تعرضوا للخداع، لما يروجه السماسرة والمكاتب عن إمكانية إرفاق دعوة عمل عوضا عن العقد الأصلي للحصول على رخصة السفر، كما أن الباحثين عن تلك العقود يجهلون القانون التركي وأنواع الوثائق، لذلك يُرفض طلبهم ويقعون ضحية الخداع. على حد قوله.

وهو ما حصل مع المغربي كريم بو رشيد (اسم مستعار) حين تقدم بطلب الحصول على رخصة سفر إلى تركيا من خلال ولاية جهة مراكش آسفي في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مرفِقا بدعوة عمل اشتراها من شخص مقابل 100 دولار، بعد أن أكد له أنها وثيقة رسمية كالعقد، لكن طلبه قوبل بالرفض 3 مرات من قبل عمالة مراكش، ويؤكد كريم أنه يبحث عن وسيلة جديدة للحصول على رخصة السفر. الصورة

تحقيق المغرب 2

ويعفى المغاربة من تأشيرة الإقامة في تركيا لمدة لا تتجاوز 90 يوما، وكذلك الطلبة ممن لديهم خطاب قبول رسمي من إحدى الجامعات التركية، ويمكنهم التقدم بطلب للحصول على تأشيرة بمجرد وصولهم إلى هناك، وفقا لتوضيح الموقع االإلكتروني للسفارة التركية في الرباط لـ”العربي الجديد”، لكن بعض العمالات المغربية تتشدد في إرفاق التأشيرة مع طلب الحصول على الرخصة الاستثنائية، كما تبين من خلال رصد معدة التحقيق لتجارب المغاربة ممن سافروا أو يسعون للسفر، في حين وثقت عبر 5 حالات قابلتهم أن عمالات أخرى سلمتهم رخص المغادرة دون الحصول على التأشيرة.

وحصل 62.569 ألف مغربي على رخصة السفر حتى 23 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وفق ما كشف عنه الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، نور الدين بوطيب،  خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، في 26 أكتوبر الماضي.

التحايل بواسطة القبول الجامعي

تغزو إعلانات البحث عن قبول جامعي وهمي في تركيا تجمعات المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفقا لرصد منظم أجرته معدة التحقيق لـ 3 مجموعات مغلقة خلال الفترة الممتدة بين سبتمبر/أيلول الماضي، ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. الصورة

من بين هذه الإعلانات ما كتبه شاب مغربي مقيم في تركيا (قبول جامعي وموعد إقامة مفبرك بـ 50 يورو)، ولدى التواصل معه تبين أنه يعمل كوسيط يقنع موظفا في جامعة تركية بقدرته على جلب طلاب جدد من المغرب  بهدف الدراسة، ويطلب منه في المقابل الحصول على وصل تسجيل 4 مساقات، وورقة القبول الجامعي الأولي، بهدف تقديمه في المغرب للحصول على رخصة السفر، وبالتالي يقوم الموظف بوضع اسم الطالب على موقع الجامعة، ولا يعتبر الطالب مسجلا بشكل رسمي في هذه الحالة، كونه لم يؤدِ واجبات التسجيل المطلوبة، وإنما يحصل على ورقة القبول فقط. ويؤكد الشاب الذي يحتفظ العربي الجديد بهويته، قدرته على توفير الوثيقة عبر رخصة سفر حصلت عليها شابة مغربية في مدينة الدار البيضاء في 9 أكتوبر الماضي، باستخدام القبول الجامعي الذي دبره لها وفق ما قاله لمعدة التحقيق.

رياض، كما يعرف عن نفسه، (تم حجب اسمه الثاني لأسباب قانونية)، مغربي مقيم في تركيا، يبيع ورقة القبول الجامعي بـ  20 دولارا، ويقر خلال حديثه مع معدة التحقيق أنه يحصل عليه بالتحايل عبر تعبئة بيانات غير حقيقية في الطلب المخصص للطلبة المتقدمين من أجل المفاضلة (اختيار الطلاب وقبولهم)، والتي غالبا ما تكون مجانية وتتم عبر موقع أو تطبيق تحدده الجامعات. رافضا كشف أي معلومات أخرى عن الإجراءات التي يقوم بها للحصول على أوراق القبول الجامعي وبيعها.

ويشير العروسي إلى أن الحاصلين على قبول جامعي يتمكنون من الحصول على رخصة السفر المغربية، لكن أمرهم قد يكتشف في تركيا، مشيرا إلى رفض شرطة مطار صبيحة غوكتشان الدولي في إسطنبول دخول شاب مغربي للأراضي التركية، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عندما اكتشفوا أنه غير مسجل في أي جامعة رغم امتلاكه ورقة قبول جامعي ورخصة مغادرة المغرب.

ويوضح المحامي السالك أن سيادة الدولة المغربية تقتضي تمكين سلطاتها من تطبيق قوانينها الجنائية، على ما يرتكب فوق إقليمها من جرائم بغض النظر عن جنسية مرتكبيها.

أما بالنسبة للأجانب فإنه بالرجوع للفقرة الثالثة من المادة 704 من قانون المسطرة الجنائية نجدها مددت اختصاص المحاكم المغربية بالبت في الفعل الرئيسي إلى سائر أفعال المشاركة أو الإخفاء ولو في حالة ارتكابها خارج المملكة المغربية ومن طرف أجانب. وفق السالك.

وفي حال قام شخص بتزييف أو تزوير الرخص أو الشهادات، أو أية وثيقة أخرى تصدرها الإدارات العامة إثباتا لحق أو هوية أو صفة أو منح ترخيص، فقد عاقب عليه الفصل 360 من القانون الجنائي المغربي كما عاقب من يستعملها وهو يعلم، بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وبدفع غرامة تتراوح بين 150 و1500 درهم (بين 16.5 و165 دولارا).

ومن ناحية أخرى، تنص المادة 204 من القانون التركي على معاقبة مزوري المستندات الرسمية أو  مستندات غير رسمية صحيحة بطريقة تضلل الآخرين أو من استعمل مستنداً رسمياً مزوراً ، وفق مجد الطباع محامي بمكتب تركواز للاستشارات بتركيا. الأرشيف

السفر بعذر طبي

يلجأ بعض المغاربة الراغبين بالسفر إلى حجز مواعيد فعلية لإجراء عمليات جراحية في عيادات أو مراكز خاصة في تركيا، لكنهم في الواقع لا يعانون من أي متاعب صحية ويستخدمون الموعد الطبي كذريعة للحصول على رخصة السفر، لذلك تلزم العمالات المرضى بتقديم ملف طبي، معزز برأي طبيب مغربي.

ورغم هذا التشدد إلا أن مغاربة كثرا نجحوا في الحصول على رخصة السفر، عبر ترتيب موعد طبي مزيف، وفق العروسي، ومنهم المغربية المقيمة في تركيا أمل فريد (اسم مستعار بناء على طلبها) التي حجزت لوالدتها موعدا بمشفى خاص في تركيا لإجراء عملية قلب مستعجلة بمساعدة شاب مغربي، علما أن أمها لا تعاني شيئا، فقط ترغب في قضاء إجازة في تركيا، وبالفعل تمكنت من الحصول على رخصة المغادرة من عمالة مدينة القنيطرة في 23 سبتمبر الماضي. الصورة

تحقيق المغرب6

ويوضح العروسي أن أي مريض يمكنه الحصول على موعد طبي عادي من جميع العيادات والمستشفيات في تركيا، لكن إجراء العمليات الجراحية المستعجلة يتطلب توفير ملف طبي دقيق يوضح الحالة الصحية، غير أن سماسرة وأصحاب مكاتب يرتبون ذلك عبر شبكة من العلاقات، ويمكنهم إلغاؤها بعد ذلك، وهو ما رصدته معدة التحقيق عبر منشورات تتضمن صورا ومقاطع فيديو لملفات طبية، ينشرها حساب يحمل اسم المراكشي داخل المجموعة المغلقة (الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا)، ويقول إنها تعود لمسافرين مغاربة تمكنوا بفضله من مغادرة المغرب ووضع رقم هاتفه للاستفسار.

وعبر تطبيق الواتساب طلبت معدة التحقيق معلومات من حساب “المراكشي” حول نوع الخدمات التي يقدمها، وأوضح أنه مكلف بالإعلانات، بينما يتولى شخص آخر  مع وكالة أسفار بمدينة الدار البيضاء مهمة إنجاز الملف الطبي والحصول على موعد إجراء عملية جراحية مستعجلة، مضيفا أن الملف الطبي يكلف 1500 درهم،  أي ما يعادل 165 دولارا، وقد يتم رفضه ببعض العمالات بمدينة الدار البيضاء ليخلي مسؤوليتة من أي مشكلة قد تقع

المصدر: alaraby.co.uk

Leave A Reply

Your email address will not be published.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More